دكتور حسين عبدالفتاح يكتب: مواقع التواصل الاجتماعي والاحتمال الأسوأ

دكتور حسين عبدالفتاح
دكتور حسين عبدالفتاح

فيسبوك تحوم المخاوف حوله، وخصوصيتك تتأرجح على حبل رقيق.. وأمان قد يتلاشى بين أصابع الأكواد، في حقبة يعود فيها القلق ليستفيق، والمثال الأوضح: موقع التواصل الاجتماعي الشهير فيسبوك؛ والذي يعتبر واحدًا من أكبر الشبكات الاجتماعية في العالم، بل أشهرها على الإطلاق، تستند آلية عمله إلى عدة عناصر أساسية تعمل بتناغم لتوفير تجربة مستخدم سلسة وشاملة؛ حيث يعتمد على قاعدة بيانات ضخمة تحتوي على المعلومات الشخصية والمحتوى المشارك على المنصة من مستخدميها.

ويتم تخزين البيانات في مراكز خاصة بفيسبوك والمنتشرة في جميع أنحاء العالم؛ تُنظم قواعد البيانات بشكل هرمي، حيث يتم تجزئة البيانات إلى وحدات صغيرة تُعرف بالسلاسل النصية بأطوال مختلفة لتلك السلاسل النصية، تُخزن النصوص في قاعدة البيانات بترتيب زمني معين ويتم تحديثها بناءً على مستجدات نشاط المستخدم، ويستخدم في ذلك تقنيات متقدمة مثل تقنية Apache Hadoop لمعالجة وتحليل البيانات الهائلة بشكل فعال، وبذلك تسمح هذه الآلية لفيسبوك بتحقيق مرونة وكفاءة عالية في إدارة البيانات والتعامل مع معدلات الولوج الهائلة وما تنتجه من بيانات هائلة أيضا يتم تخزينها.

لكن مثل أي نظام برمجي ضخم ومعقد، فإن فيسبوك ليس معصومًا عن احتمالية وجود أخطاء برمجية، فعلى الرغم من الجهود الهائلة التي تبذلها فرق التطوير لتحسين جودة البرمجيات واختبارها، إلا أنه لا يمكن تجنب الأخطاء بشكل كامل.

أحد الأمثلة التاريخية الشهيرة لأخطاء البرمجة في فيسبوك هو خلل في عام 2019 أدى إلى تعرض بيانات الملايين من المستخدمين للعرض العام، وتسبب هذا الخلل في تعرض الصور والمشاركات الشخصية للمستخدمين للمشاركة مع جمهور أوسع مما هو مستهدف ومحدد من إدارة المنصة أو من كل مستخدم في إعدادات خصوصية حسابه الشخصي، مما أثار قلقًا واسعًا بشأن خصوصية المعلومات للمستخدمين، كما حدثت حالات أخرى لأخطاء برمجية في فيسبوك، مثل الأخطاء التي أدت إلى إعلانات غير مقصودة تظهر في صفحات المستخدمين، أو الأخطاء التي تسببت في فشل في إيصال رسائل البريد الإلكتروني الصادرة عبر المنصة، كذلك نتذكر جيدًا الفترة التي توقف فيها الموقع بشكل كامل عن العمل وانتشار هاشتاج facebookdown#، ومؤخرا استيقظ مستخدم فيسبوك على خطأ إرسال دعوات الصداقة بمجرد زيارة أي واجهة حساب شخصي "بروفايل".

وفهمًا لكيفة حدث ذلك يجب أولا شرح آلية ربط الحسابات ببعضها كأصدقاء؛ ففي العادة يوفر فيسبوك آلية دعوة الأصدقاء وقبول الدعوات كجزء أساسي من تجربة المستخدمين على المنصة، وتُعتبر هذه الآلية مهمة للتواصل والتفاعل مع الأشخاص المعروفين وبناء شبكة اجتماعية قوية، وعند استخدام فيسبوك لأول مرة، يتم تقديم ميزة "الدعوة للأصدقاء" التي تسمح للمستخدم بإرسال دعوات لأشخاص يرغب في إضافتهم كأصدقاء على المنصة. يمكن للمستخدم إرسال دعوات عن طريق إدخال عناوين البريد الإلكتروني أو أسماء المستخدمين أو بواسطة استخدام دليل العناوين الخاص بالبريد الإلكتروني الخاص به، وبمجرد إرسال الدعوة، يتلقى الشخص المستهدف إشعارًا عبر البريد الإلكتروني أو رسالة في نظامه الداخلي تطلب منه قبول الدعوة. عند قبول الدعوة، يتم تكوين روابط اتصال بين حسابات المستخدمين الاثنين على فيسبوك، ويصبح بإمكانهم البدء في مشاركة المحتوى والتواصل عبر المنصة، ويتيح قبول الدعوات لمستخدمي فيسبوك الوصول إلى صفحات الملف الشخصي لأصدقائهم، والتعرف على محتواهم المشترك والتفاعل معه، ويمكن للمستخدمين بذلك إرسال رسائل خاصة وإنشاء منشورات عامة أو مشاركتها مع الأصدقاء المتصلين بهم.

إلا أن أحدهم قام بتغيير وظيفية ذلك سواء بقصد تجربة شيء ما، أو من خلال مخترق قام بتغيير كود المنصة في هذه الوظيفة، وبدلًا من شرط الضغط على مفتاح إضافة كصديق بالإضافة لشرط دخول الصفحة، ربما تمكن أحدهم من حذف الشرط الأول من كود المنصة في هذا الجزء ليكتفي بشرط دخول البروفايل تغذية لقاعدة البيانات بمعلومة طلب إضافة كصديق.

والآن تخيل عزيزي القارئ مستخدم فيسبوك أو واتساب أو أي منصة تواصل اجتماعي أخرى أن كل شيء محل احتمال مرهون بتدخل مبرمج أو مخترق، ليغير سطر صغير من الكود المكون لأي منصة أو تطبيق ما يؤدي لتأثر خصوصية حسابك الشخصي أو خصوصية جروب تقوم فيه بمشاركة مستندات خاصة بإدارتك الصغرى أو الكبرى كيف سيؤثر رفع غطاء الخصوصية عن إحدى حساباتك أو مجموعات نقاشك الشخصية أو المهنية؟ إجابة هذا السؤال هي ما دفع عدد كبير من الدول والحكومات لمنع استخدام منصات التواصل الاجتماعي في مشاركة أي مستندات تخص العمل، كما يحرص العديد من المستخدمين على تجنب ذلك أيضا كنوع من الاستعداد للأخطاء والأعطال الشبيهة والذي يدفعني في نهاية هذا المقال لإطلاق ذات التحذير لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في وطننا العربي: كونوا على استعداد للاحتمالات الأسوأ.

اقرأ أيضا | دكتور حسين عبدالفتاح يكتب : رؤية مصر 2030 والتحول الرقمي في التعليم

*****

كاتب المقال دكتور حسين عبد الفتاح

أستاذ تكنولوجيا التعليم المشارك

جامعة قناة السويس، مصر

ترشيحاتنا